السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأربعاء، 4 مايو 2011

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد



 وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد



إن البعرة تدل على البعير، وإن الأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحر ذو أمواج، ونور يلمع، وشمس تسطع، وماء دفاق، ونجوم تلوح، وشذى يفوح، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير.
للقدرة أدلة كثيرة، وبراهين وفيرة، كاختلاف اللغات، وتعدد الأصوات، وتباين النغمات، وتفاوت الصفات، كلها تدل على رب الأرض والسموات.
ورقة التوت تأكلها الدودة فتخرج حريراً، والنحلة فتخرج عسلاً، والغزال فتخرج مسكاً، ألا يدل على علام الغيوب.
البيضة حصن حصين، وبناء رصين، لا منفذ و لا مخرج ولا هواء ولا ماء تفقس فيخرج منها حيوان سميع بصير، ذو شكل حسن، وهيئة جميلة، وصوت مليح، فاسأل من خلق، ومن برأ، ومن أنشأ، ومن صور، إنه الخلاق العليم. الزهرة ذات ألوان؛ أبيض فاتح، وأحمر غامق، وأسود فاحم، وأخضر ممتع، تهل بالندى، وتفوح بالشذى، وتميس مع الهوى، آية من آيات مَن على العرش استوى.



الأرض أشكال وألوان، وجبال ووديان، وسفوح وغدران، وصحار وجنان. ((وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌوَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)).
كلها تدل على الواحد الأحد.
الطيور الصادحة، الأنهار السارحة، الماء والهواء، والسناء والضياء، تدعوك لعبودية الواحد الأحد.
خرج سليمان عليه السلام يستسقي بالناس فمر بنملة رفعت أرجلها إلى السماء تدعو ربها، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، فقال سليمان : ارجعوا فقد سقيتم بدعاء غيركم.
نملة عرفت ربها فالتجأت إليه، ودعته وسألته، واستغاثت به، نملة وحدت خالقها وأخلصت له رجاءها، وبثت عليه شكواها، نملة آمنت بربها، وسألته رزقها، وعرضت عليه حالها، وكثير من الناس أعرض عن ربه، وكفر بمولاه. ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) هل هناك إلا صنعه، وبديع خلقه، وعجيب قدرته، وآثار حكمته. ((قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ))، أما يكفي ما عرض في هذه الصفحة دليلاً على وحدانيته، وبرهاناً على ربوبيته وألوهيته، وعلامة على تفرده بالخلق والرزق. ((فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ))، وقد وضح الحق، وظهر البرهان، وعمت الرسالة، وأنزلت الكتب. ((فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ))، وفي الأرض آثاره، وفي السماء أنواره، وفي الجنة رحمته، وفي النار نقمته، وفي البحر عظمته.
((فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ))، والمفاتيح بيده، والمقاليد بقدرته، وهو غالب على أمره، ويخلق ما يشاء ويختار.
قال عالم النفس الشهير وليم جيمس : إن نصف العلم قد يورث شكاً ولكن العالم الكامل لا يشك في الله طرفة عين.
قلت: لأن العلم يدعوك إِلى معرفة آياته فتخشاه، وإنما يخشى الله من عباده العلماء.
قيل لأحد الحكماء: بم عرفت الله؟
قال: بخطوط أقلام القدرة على أوراق الكائنات.
وقيل لآخر: بم عرفت ربك؟
قال: بأنه ينقض العزائم، وينكث الهمم.
واعلم أن الله فعّال لما يريد، لأن في الناس من يريد شيئاً لم يفعله، ومنهم من يفعل شيئاً لا يريده، والله فاعل ما أراد، غالب على أمره، لا راد لحكمه، ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)).
والله يعرفه الصدِّيق كل آن، ويعرفه المؤمن طيلة الزمان، ويعرفه الكافر ساعة الامتحان.
قال فرعون : ((أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي)) ؟
فأجراها الله من فوق رأسه.
يقول بعض العلماء: افتخر فرعون بنهر ما أجراه فما أجرأه!؟
والعامة تقول: لا همّ والله يُدعى. والمعنى: ما دام أن الله يسأل فإنه سوف يستجيب كما وعد سبحانه، فيزول كل هم، ويذهب كل غم.
وقرأت أن أحد علماء الكيمياء في الغرب يقول: كلما شككت في القدرة دخلت المعمل فازددت إيماناً.
وقد دلل الله على قدرته بخلقه فقال: ((هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ))
فإذا هم لم يخلقوا شيئاً، ولم يبدعوا شيئاً، لأنهم لا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشورا.
ولذلك لما ذكر الله أحقيته بالعبودية وتفرده بالألوهية قال: ((أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ))
فالذي يخلق أولى أن يُعبد، وأن يُحمد، وأن يوحّد، والذي لا يخلق ليس له حق في الربوبية، ولا منازعة في الألوهية، لأنه عاجز، ضعيف، محتاج، مقهور. وإن في خلق النحلة، وحياتها في خليتها، وبنائها لبيوتها، وجلبها لرزقها، ووضعها للعسل لآية لمن أراد أن يتدبّر ويتفكّر ويتأمّل، ولذا ذكر الكاتب كريسي مريسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده : من علَّم النحلة أن تذهب المسافات الطويلة ثم تعود إلى خليتها ولا تضل، كأن لديها جهاز إرسال؟
قلنا: علمها ((الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى))


عرفت الفطر ربها؛ لأنها فطرت على توحيده، وجبلت على الإيمان به، ((فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)).
قال بعضهم: فطرهم على ما في الميثاق وهو العهد الذي أخذ عليهم بعد أن نثرهم من ظهر أبيهم آدم ، فقال: ((أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا)).
وفي الحديث الصحيح: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه(1)


قال بعض أهل العلم: وأهل الجاهلية يعلمون أن الله خالقهم وأنه فوقهم، وأنه على العرش سبحانه، وبذلك سرحت أشعارهم وأخبارهم، يقول أحد العارفين: وجدت ورقة نخلة مكتوب عليها: الله خلقها.
قال له عارف آخر: ولو لم تجد هذا لكان في خلق النخلة نفسها أعظم شهادة على قدرة الباري: ((وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ))




كتب أحد الحكماء لوحة عند مدخل حديقته: هنا مدرسة الإيمان.
وهذا صحيح، فإن من يدخل الحديقة ويمد بها النظر والاعتبار، والتفكُّر والتأمُّل، يزداد يقيناً بحكمة الملك العلام.
ولما كان غاندي محرر الهند يخوض بعض الأزمات، قال له بعضهم: من يعينك على تخطي هذه الأهوال، فأشار بأصبعه إلى السماء، وقال: لولا ذاك لانهارت قواي، وهذا كفعل المشركين إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدِّين.
وكان معاذ وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يقول أحدهم لأخيه: اجلس بنا نؤمن ساعة (1)
فيتذكرون نعم الله وأيامه وآياته والعبر في خلقه، فيزدادون إيماناً مع إيمانهم.
ومن آياته سبحانه الدالة على وحدانيته، وتفرده بالخلق والأمر، واستحقاقه العبودية وحده لا شريك له، ساعة الاضطرار التي تمر بالإنسان، وهي الكربة الشديدة والنازلة العصيبة، حينها لا يجد العبد إلا الله معينا ومنقذاً وناصراً. ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)).
فلا يجد الغريق ولا الحريق ولا الطريد ولا الشريد ولا المكروب إلا الله وحده، ولهذا نطق بها فرعون ساعة الغرق حيث لم تنفعه يوم قال: ((قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ))
ولما قالها يونس بن متى وهو في ظلمات ثلاث، ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ))، فنفعه ذلك لأنه كان من المسبحين في الرخاء فأنقذه الله في الشدة. ((فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَلَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))
والأمم جميعها مقرة بوجود الخالق سبحانه في الجملة، حتى أن أهل فارس والروم والترك و التركمان والأكراد والديلم وشعوب الأرض يستغيثون به سبحانه في الأزمات، وهذا الإيمان لا يكفيهم، ومن العذاب لا ينجيهم، حتى يؤمنوا بما بعثت به الرسل عليهم الصلاة والسلام وهو الإيمان بألوهية الله سبحانه وتعالى، وعدم الإشراك معه في العبودية، وإلا فبمجرد الإيمان بوجود موجودة حتى عند من أنكره في الظاهر قال موسى : ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا))
ولذلك قال أمية بن أبي الصلت الشاعر يصف ذهاب موسى إلى فرعون :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق